اليوم تُطفئ بغداد شمعتها الـ1262 منذ أن بناها الخليفة أبو جعفر المنصور. إنها عميدة العواصم، أقدم من واشنطن بأكثر من خمسة قرون، ومن لندن العاصمة بمئتي عام، ومن باريس بثلاثة قرون، ومن موسكو بمئة عام، ومن طوكيو بستمائة عام. حملت أسماء عديدة: المنصورية، المدينة المدورة، الزوراء، مدينة السلام، مدينة الخلفاء، وعاصمة الرشيد. أما أنا، فأُفضل تسميتها “الناهضة”، لأنها مهما تكالبت عليها الغزوات والمحن، لا تموت أبدًا. تمرض، وتكبو، لكنها سرعان ما تنهض من جديد.
أسسها المنصور في موقع يمتد بين العطيفية والكاظمية حاليًا. كانت بغداد مهدًا للعلم، فصُنعت فيها قامات العلماء. وكانت رمزًا للعمران، فاستقطبت المهندسين. واشتهرت بالغنى، حتى أصبحت قبلة للمترفين والمتبغددين. ليست روعة بغداد في مكانها أو هوائها، ولا حتى في دجلة الذي يمر بين أحضانها، بل في أهلها الذين هم جوهر جمالها.
شوارعها تنبض بالمجد، وأرضها تحمل عبق التاريخ، غير أن واقعها اليوم لا يعكس عظمة ماضيها ولا يبوح بما يحمله غدها. لم تقتصر محبتها على من وُلد فيها أو عاش بين جنباتها؛ أحبها كل من زارها، سواء أتى متعلمًا، مسترزقًا، زائرًا، أو حتى غازيًا.
واليوم، تسعى الحكومة الحالية إلى إعادة إحياء مجد بغداد من جديد، من خلال تحسين البنية التحتية، وتطوير المشاريع الثقافية والتراثية، واستعادة الطابع الجمالي للمدينة. فقد أُطلقت حملات لتأهيل الشوارع والمناطق التراثية، وتحسين الخدمات العامة، وتنشيط الفعاليات الثقافية التي تعكس إرث بغداد الحضاري. كل هذه الجهود تهدف إلى إعادة بغداد إلى موقعها المستحق كواحدة من أجمل وأعرق عواصم العالم.
بغداد، الشموع لا تضيء بهاءك، والورود لا تكفي لتجسيد حبك، والكلمات تخفق في وصف عظمتك. يا بغداد الجميلة، البهية، الصامدة، الشامخة، المتجددة بتاريخك وأهلك. لكِ المجد دائمًا، وغدكِ مشرق بإذن الله.
ا.د.سلوى جابر العوادي